جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. logo تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه.
shape
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الثاني)
290787 مشاهدة print word pdf
line-top
حد السرقة

ومن سرق ربع دينار من الذهب، أو ما يساويه من المال من حرزه: قطعت يده اليمنى من مفصل الكف، وحسمت.
فإن عاد قطعت رجله اليسرى من مفصل الكعب، وحسمت.
فإن عاد حبس، ولا يقطع غير يد ورجل، قال تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا المائدة: 38 .
وعن عائشة -رضي الله عنها- مرفوعا: لا تقطع يد سارق إلا في ربع دينار فصاعدًا متفق عليه .
وفي الحديث: لا قطع في ثمرٍ ولا كَثَر رواه أهل السنن .
رابعا: حد السرقة
قوله: (ومن سرق ربع دينار من الذهب، أو ما يساويه من المال من حرزه: قطعت يده اليمنى من مفصل الكف، وحسمت):
اشترطوا أن يكون المسروق نصابًا وقدره ربع دينار، وهو ما يعادل سبع الجنيه السعودي أو ما يساويه من المال، يعني إذا أخذ ثوبًا مثلاً يساويه أو طعامًا يساويه أو أوراقًا نقدية تساوي هذا النصاب، ولا بد أيضًا من شرط آخر، وهو: أن يكون من الحرز فإن كان أخذه وهو ملقى في الأرض أو في الطريق فلا قطع.
والحرز هو: المكان الذي يحرز فيه المال، كأن كَسَر الباب أو كَسَر القفل مثلا أو هدم الجدار حتى دخل، فأما إذا وجد المال على الرصيف وأخذه فلا يقطع؛

لأن صاحبه أهمله، وكذلك لو أخذه نهبا كما لو جاء إلى أصحاب البضائع المعروضة في الطريق وانتهب منها أو أخذه خفية بدون أن يتفطن له، فهذا من غير حرز.
والقطع يكون من مفصل الكف، وهو الذي بين الكف والذراع.
والحسم هو: أنه إذا قطعت غمست في زيت مغلي حتى يسد أفواه العروق، فإنه إذا لم تحسم يمكن أن يجري الدم فيموت، فلا بد أن تحسم حتى تسد أفواه العروق ولا يستمر خروج الدم، وفي هذه الأزمنة قد تعالج بما يسدها ويوقف جريان الدم.
قوله: (فإن عاد قطعت رجله اليسرى من مفصل الكعب وحسمت... إلخ):
يعني: فإن سرق مرة ثانية قطعت رجله اليسرى ليحصل القطع من خلاف أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ المائدة: 33 والقطع من مفصل الكعب، يعني:
تقطع القدم كلها ويترك الساق وتحسم أيضًا.
قوله: (فإن عاد حبس، ولا يقطع غير يد ورجل، قال تعالى:... إلخ):
يعني: فإن سرق مرة ثالثة فلا قطع، ولكن يحبس، فلا يقطع منه أكثر من يد ورجل؛ لأن في ذلك عبرة.
والدليل على قطع يد السارق قول الله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا المائدة: 38 .

وفي قراءة ابن مسعود: أيمانهما وهي قراءة تفسيرية.
ودليل اشتراط النصاب وأنه ربع دينار قول النبي -صلى الله عليه وسلم- عن عائشة رضي الله عنها: لا تقطع يد سارق إلا في ربع دينار فصاعدا ، أي: كما زاد.
قوله: (وفي الحديث لا قطع في ثمرٍ ولا كَثَر ):
الثمر هو: ثمر الشجر، والكثر هو: الجمار، يعني: إذا جاء إلى نخلة وقطع رأسها وأخذ جمارها ولو كان ثمينًا فلا قطع عليه، والشحمة التي في رأس النخلة تسمى جمارًا وتسمى كثرًا كذلك.
وإذا دخل بستانًا وأخذ منه ثمرًا فأكله فمثل هذا لا قطع عليه، فمأذون له إذا مر ببستان ليس عليه حائط أن يأكل منه في فمه ولو لم يستأذن صاحبه ولكن لا يأخذ معه شيئًا، أما إذا كان عليه شباك أو عليه سور فلا يدخله.
وبهذا انتهى المؤلف -رحمه الله- من الكلام على السرقة.

line-bottom